رسائل متقاطعة: ماذا أرادت إسرائيل من ضرب موقع في الدوحة وكيف يقرأ العرب الإشارة؟

في مسرحٍ سياسيٍّ يتغيّر سريعًا، جاءت الضربة الإسرائيلية داخل قطر لتدفع بالعناوين الكبرى إلى الواجهة: الأمن، الوساطة، والتنسيق الخليجي. لم يمرّ الخبر كتيارٍ عاديٍّ في نشرات المساء، بل أعاد ضبط ساعات الأمن الخليجي وفتح الباب أمام أسئلة مؤجلة: هل ما حدث «جسّ نبض» لردود الأفعال؟

تبدو قطر هدفًا مركّبًا لأنها تجمع بين دور الوسيط ومظلّة الحماية الدولية، ما يجعل أي خرقٍ في مجالها السيادي رسالةً ردعية-تفاوضية مزدوجة. المقصود ليس الأوراق الفلسطينية وحدها، بل يمتد إلى التشكيك في حصانة أراضي الوسطاء واختبار استعداد العواصم لتحويل التضامن إلى سياسة.

هل كانت العملية قياس حرارة؟ الأقرب للتحليل أنها اختبارٌ ثلاثيّ الأبعاد: سياسيًّا لقراءة حدّة الإدانات، وأمنيًّا لرصد إجراءات حماية الوسطاء والوفود، وتفاوضيًّا لمراقبة مرونة الوسطاء أمام الضغوط. بمعنى آخر: الرسالة تستفهم: أين تقف الخطوط الحمراء؟ وهل تتحول الكلمات إلى مؤسسات؟

على الضفة الخليجية، تراقب الحكومات أثر الاستثناء. فإذا أمكن تنفيذ ضربة دقيقة في قلب عاصمة وسيطة، أين ضمانات عدم التمدد؟ من هنا تتقدم على الطاولة سلّة إجراءات محتملة: تطوير شبكات الدفاع الجوي ومكافحة المسيّرات، رفع بروتوكولات حماية الوفود، تحسين جاهزية الاستجابة، إدارة أكثر صرامة للمجال السيادي، وميثاق عربي لأمن الوساطة.

أمّا في المسار المؤسسي، فثمة أدوات ضغطٍ دون عتبة التصعيد العسكري: مذكرات احتجاجٍ صريح، مراجعةٌ مدروسة لملفات التعاون الحسّاسة، تدويلٌ قانونيٌ مدعوم بالوثائق، لغة سياسيّة متماسكة تُعرّف خرق السيادة بوصفه سابقةً خطيرة يستوجب إجراءات ردعٍ تراكمية. هنا تبرز الفاعلية: تجفيف مكاسب الاستهداف دون غرقٍ في سباقٍ مفتوح.

الموقف المصري محوري بحكم التاريخ والأمن ودور القاهرة في الوساطة، غير أن السيناريو الأرجح لا يذهب إلى تحركات منفردة خارج الأطر، بل إلى ضغطٍ دبلوماسيٍ محسوب مع تنسيقٍ عربيٍ وثيق يهدف إلى تثبيت خطوط حمراء مع حفظ أبواب الحل مفتوحة. هكذا تُوازن القاهرة بين الأمن القومي وأدوار الوساطة، وتدفع في صياغة ردٍّ جماعيٍّ رصين.

هل يمكن أن يتحوّل الغضب الشعبي إلى موقفٍ عربيٍّ واحد؟ الواقعية السياسية تقول إن الارتباطات الاقتصادية والأمنية عميقة، وأن القطيعة مكلفة بلا جدوى. إلا أن ما يمكن تحقيقه هو هامش استقلاليةٍ أوسع: تضامنٌ سياديٌ صلب، تنويعٌ مدروس للشراكات، وقواعد حماية تُرسل للغرب رسالة واضحة: لسنا في خصومةٍ شاملة، لكن المساس بالأراضي العربية غير مقبول.

وأين روسيا والصين من ذلك؟ الظاهر أنهما يعتمدان خطاب التهدئة، غير أن الحياد لا يمنع توسيع النفوذ: كلما تراجع الاطمئنان بـمظلّةٍ أحادية، ازداد مجال المناورة عبر صفقات تسليحٍ وتقنية يحفظ التوازن بل يرفع كلفة الضغط. بهذه المقاربة تكسب العواصم مساحة مناورة دون اصطفافاتٍ صلبةٍ جديدة.

من العِبَر المباشرة أن أمن الوسطاء ليست ترفًا دبلوماسيًا بل جزءًا من الأمن القومي. من ثمّ تبدو مبادرة قواعد عربية لحماية الوسطاء ضرورةً عملية: قواعد واضحة لحماية البعثات، شبكات رصد وتحذير، تصعيدٌ مؤسسيٌ تلقائيٌ محدد على كل خرق، وقناة اتصال دائما مع الشركاء الدوليين لتقليل احتمالات سوء التقدير.

اقتصاديًا، تشتبك المصالح المالية بالقرار؛ المشاريع العابرة للحدود تفترض بيئةً آمنة. كل سابقةٍ مماثلة تزيد علاوات المخاطر، وتؤثر في تدفقات رأس المال. وعليه فإن بناء منظومة منعٍ فعّالة أقل تكلفةً بكثير من احتواء توابع كل صدمة. هنا تتقاطع مصلحة الفاعل الاقتصادي مع صانع القرار: استقرار المؤسسات هي الضمانة لاستمرار التنمية.

في النتيجة الأقرب، استهداف مواقع في الدوحة نقطة انعطاف لالنظام الأمني ضربة إسرائيلية داخل الدوحة الخليجي ومنطق الوساطة العربية. إن كانت العملية اختبارًا، فإن الاستجابة الممكنة موجودة: لغة مشتركة تتشكل، وميلٌ لتغليب العمل المؤسسي، مع رسائل واضحة للشركاء وحساباتٍ دقيقة لتل أبيب. وبموازاة دورٍ مصريٍّ راجح وبناء جسور دفاعٍ مشتركة، يمكن للعرب أن يرفعوا كلفة الخرق دون الانزلاق لصدامٍ شامل. هذا هو التوازن الممكن: رسالةٌ قوية بلا انفجار، وموقف سيادي موحّد يقول إن استهداف أراضي الوسطاء ليس ورقة مجانية، وإن السيادة العربية لا تُختبر مرتين.

ولأجل حاضرٍ أكثر أمانًا، تبقى ثلاثة عناوين لا غنى عنها: شبكات إنذارٍ ودفاعٍ مدمجة، تقنين حماية الوساطة، ولغة قانونية صارمة تغلق شهية تكرار السوابق. بهذا فقط، تتحوّل الأزمة فرصة في بناء أمنٍ عربيٍّ أمتن لا تخاصم العالم، لكنها ترسم حدودًا لا تُمسّ.

....

Read on shopysquares Exclusive Deals Fashion Journal

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *